خصخصة الأندية السعودية- تسريع التحول، جذب الاستثمارات، وتحقيق الاستدامة

المؤلف: نايف العتيبي من الرياض ومحمد سعيد من القاهرة08.29.2025
خصخصة الأندية السعودية- تسريع التحول، جذب الاستثمارات، وتحقيق الاستدامة

سوف تُسهم عملية خصخصة ثلاثة أندية سعودية في تسريع وتيرة خصخصة باقي الأندية الرياضية، وذلك بهدف تحويلها إلى مؤسسات تجارية تتمتع بالاستقلالية التامة، بالإضافة إلى تعزيز أدائها المالي بشكل ملحوظ، واستقطاب استثمارات ضخمة من داخل المملكة وخارجها، وفقًا لما صرح به خبراء اقتصاديون متخصصون في القطاع الرياضي لصحيفة «الاقتصادية».

أكد هؤلاء الخبراء على أن البدء بخصخصة الأندية ذات الحجم الصغير يهدف إلى تقليل حجم المخاطر المحتملة عند الانتقال إلى خصخصة الأندية الكبيرة ذات الشعبية الواسعة، مشيرين إلى أن المكاسب المعنوية والإرشادية التي ستتحقق من هذه الخطوة تتجاوز بكثير العوائد الاقتصادية المتوقعة.

أعلنت وزارة الرياضة عن تخصيص أول ثلاثة أندية رياضية من خلال طرحها للاكتتاب العام بالتعاون والتنسيق مع المركز الوطني للتخصيص، ونقل ملكيتها رسميًا إلى ملاكها الجدد، حيث ستؤول ملكية نادي الزلفي إلى شركة نجوم السلام، ونادي الخلود إلى شركة Harburg Group، بينما سينتقل نادي الأنصار إلى شركة عودة البلادي وأبنائه.

أوضح فضل البوعينين، عضو مجلس الشورى، أن تخصيص أول ثلاثة أندية رياضية عبر الطرح العام يمثل خطوة بالغة الأهمية في استكمال ملف الخصخصة، الذي يُعد بمثابة الركيزة الأساسية للمشروع الرياضي الطموح في المملكة العربية السعودية، مشددًا على أن العوائد المعنوية والإرشادية التي ستجنى من هذه الخطوة تفوق العوائد الاقتصادية المتوقعة، وذلك بالنظر إلى حجم وقيمة تلك الأندية في السوق الرياضي.

وأضاف البوعينين أن تخصيص هذه الأندية قد يلعب دورًا محوريًا في تسريع وتيرة طرح الأندية الأخرى، بهدف تحقيق الأهداف المرجوة من الخصخصة، وتحسين مستوى أداء كرة القدم السعودية، وزيادة الإيرادات المالية لتلبية المتطلبات والأنظمة التي يفرضها الاتحاد الدولي لكرة القدم "فيفا".

من جانبه، يرى الدكتور أحمد سالم، خبير التسويق الرياضي، أن الأندية الرياضية السعودية كانت تعتمد اعتمادًا كبيرًا على الدعم الحكومي السخي في السنوات الماضية، ولكن مع إطلاق "رؤية السعودية 2030" الطموحة، بدأ التحول الجذري نحو خصخصة الأندية وتحويلها إلى كيانات تجارية مستقلة قادرة على جذب الاستثمارات وتحقيق الأرباح، مما يسهم في استقطاب القطاع الخاص وزيادة حدة المنافسة.

مراحل الخصخصة بين عامي 2023 و2025

أشار سالم إلى أن "عملية الخصخصة تمر بمراحل متعددة، بدأت بتطوير البنية التنظيمية والتشريعية للأندية قبل عام 2023، بالإضافة إلى إطلاق برامج حوكمة تهدف إلى ضمان الشفافية والمساءلة، كما تم تأسيس شركات خاصة لكل نادٍ رياضي كخطوة أولى ومهمة نحو الخصخصة، حيث جرى تحويل ملكية أندية عملاقة مثل: الهلال والنصر والاتحاد والأهلي إلى شركات ذات إدارات متخصصة، ولكن بملكية تابعة لصندوق الاستثمارات العامة (PIF)".

كما تم نقل ملكية نادي القادسية إلى شركة أرامكو السعودية، ونادي الدرعية إلى هيئة تطوير بوابة الدرعية، ونادي العلا إلى الهيئة الملكية لمحافظة العلا، ونادي نيوم (الصقور سابقًا) إلى شركة نيوم.

وأوضح سالم أن المرحلة الثانية من الخصخصة، والتي تمتد من عام 2024 حتى عام 2025، تركز بشكل أساسي على فتح المجال أمام المستثمرين المحليين والدوليين لشراء حصص في الأندية الرياضية، بالإضافة إلى تطوير البنية التحتية والمرافق الرياضية المتنوعة، وإطلاق مشروعات تجارية مبتكرة مثل: المتاجر والحقوق الإعلامية وصفقات الرعاية.

التسريع لضمان الاستدامة المالية

كشفت وزارة الرياضة عن فتح الباب لاستقبال طلبات الاهتمام من الجهات الاستثمارية التي ترغب في الاستحواذ على أي من الأندية الرياضية السعودية الأخرى، على أن يتم بعد ذلك دراسة مدى جاهزية النادي أولاً، ثم دراسة العروض المقدمة من الجهات الاستثمارية المختلفة، وأخيرًا مرحلة طرح النادي للمنافسة العامة.

ويرى البوعينين أن تخصيص أندية بحجم الهلال والنصر والاتحاد والأهلي يمثل جزءًا جوهريًا وأساسيًا من إستراتيجية الخصخصة الشاملة، لكنه أكد على أهمية الإسراع في طرحها، لما لذلك من دور فعال في تحسين أدائها بشكل ملحوظ، وتحقيق أهدافها المنشودة مثل الاستدامة المالية، وكفاءة الإنفاق، وتعزيز الحوكمة.

وتابع البوعينين: "نحن بحاجة ماسة إلى فتح المجال بشكل أسرع أمام القطاع الخاص للاستثمار في أندية دوري روشن السعودي، وهذا سيسهم بشكل كبير في تحقيق التنافسية العادلة بين الأندية ووقف الهدر المالي غير المبرر"، مطالبًا بضرورة إعلان وزارة الرياضة عن جدول زمني واضح ومفصل لاستكمال ملف الخصخصة، ولا سيما أنه سيكون جزءًا لا يتجزأ من مؤشرات قياس الأداء.

جذب الاستثمارات وتقليل الدعم الحكومي

يؤكد خبير التسويق الرياضي أن أحد الأهداف المحورية للخصخصة يتمثل في تحسين الأداء المالي للأندية الرياضية وتقليل الاعتماد على الدعم الحكومي المباشر، مما يؤدي إلى تحقيق الاستدامة المالية المنشودة.

وأشار إلى أن المشروع يهدف أيضًا إلى جذب الاستثمارات المحلية والدولية الضخمة ورفع مستوى القدرة التنافسية في الدوري السعودي من خلال تطبيق أفضل ممارسات الإدارة الحديثة والمتطورة، مما سينعكس إيجابًا على زيادة شعبية الدوري على المستوى العالمي.

وتابع سالم: "من بين النتائج الأولية التي تحققت حتى عام 2025، تمكنت الأندية السعودية من التعاقد مع نجوم عالميين بارزين مثل: كريستيانو رونالدو وكريم بنزيما ونيمار، الأمر الذي أسهم في رفع قيمة الدوري السعودي في التصنيفات العالمية وزيادة العوائد التجارية والرعائية للأندية".

الشفافية والمساءلة من أبرز التحديات

أشار عضو مجلس الشورى إلى أن أحد التحديات الكبرى والمعقدة في عملية الخصخصة يتمثل في ضمان الشفافية المطلقة والمساءلة الكاملة في إدارة الأندية الرياضية.

وقال البوعينين: "لقد شهدنا في الماضي هدرًا ماليًا كبيرًا وتراجعًا ملحوظًا في الشفافية والحوكمة، لذا نحن بحاجة إلى العمل بأقصى سرعة ممكنة على تحسين هذه الجوانب وتعزيزها".

وأضاف: "من الأهمية بمكان أن نحقق الأهداف الأساسية للخصخصة، مثل الكفاءة المالية والشفافية التامة، لأن غياب هذه العناصر الهامة قد يؤثر سلبًا على النتائج المرجوة، كما لفت إلى ضرورة التعامل بحذر مع المصاريف المتزايدة والرواتب الضخمة التي قد تؤثر بشكل كبير على الاستدامة المالية للأندية".

واتفق سالم مع البوعينين في الرأي، حيث قال: إن أبرز التحديات التي تواجه عملية الخصخصة تكمن في ضمان الشفافية في الإدارة المالية، والتحكم في المصاريف والرواتب المرتفعة، كما أشار إلى ضرورة الحفاظ على الهوية الثقافية والجماهيرية للأندية، وعدم إهمال الأندية الصغيرة أو الأقل جماهيرية.

ما سبب البدء بالأندية الصغيرة؟

أوضحت وزارة الرياضة أن انتقال ملكية أندية (الأنصار، والخلود، والزلفي) إلى مجموعة من الجهات الاستثمارية، جاء بعد الإعلان في شهر أغسطس من عام 2024 عن طرح ستة أندية للتخصيص، وهي: (الأنصار، والأخدود، والخلود، والزلفي، والعروبة، والنهضة)، وذلك ضمن المسار الثاني لمشروع الاستثمار والتخصيص للأندية الرياضية.

يؤكد سالم على أن المستثمرين سيحققون عوائد مالية مجزية من الأنشطة التجارية المتنوعة التي سيمتلكها النادي بعد خصخصته، مثل بيع التذاكر والرعايات والإعلانات، بالإضافة إلى فرصة توسيع نطاق علاماتهم التجارية من خلال النادي، وخاصة إذا كانوا ناشطين في قطاعات أخرى مثل الإعلام والترفيه.

وتابع سالم: "إن البدء بتخصيص الأندية الصغيرة يقلل بشكل كبير من المخاطر المحتملة ويتيح للحكومة والمستثمرين فرصة قيمة للتعلم واكتساب الخبرة من هذه التجربة قبل البدء في تطبيقها على الأندية الكبرى ذات الشعبية الجارفة، خاصة وأن الأندية الصغيرة تتمتع بهيكل إداري أكثر بساطة ومرونة، مما يسهل عملية إعادة الهيكلة والحوكمة عند تحويلها إلى شركات استثمارية".

واختتم سالم حديثه قائلًا: "إن تخصيص الأندية الصغيرة يسهم بشكل فعال في تحفيز الاستثمار في مناطق جديدة، مما ينعش الحركة الاقتصادية والرياضية في هذه المناطق، ويعزز التنوع في السوق المحلية، ويساعد على إيجاد فرص واعدة لمستثمرين جدد".

سياسة الخصوصية

© 2025 جميع الحقوق محفوظة